نص خاطرة بقلم الكاتبة:جُـوري عبد الرّحمٰن القاسِـم

 


                       -قطارُ الحياة-

وكأنَّ الحياةَ لعبةٌ ننتقلُ فيها من بدايةِ المراحلِ السهلةِ إلى خِضَمِّ المراحلِ الصعبة، وضعتُ قدمي على بدايةِ الطريقِ، أحمِلُ حقائبي على ظهري مُحمّلةً بالأمنياتِ وبعضٍ من طُموحاتٍ تتطلبُ التحقيق، كمْ هيَ ثقيلةٌ حقائبي.

وأخيراً يقتربُ قطارُ الحياةِ ليأخُذني معهُ في طريقِه، جلستُ في مكانيَ المخصّصِ وبدأ مِشوارُ الرّحلة.

أصواتُ ضحكاتٍ وتمتماتٍ غيرُ مفهومةٍ، لمسةٌ حنونةٌ وحضنٌ دافِئ، هكذا كانت بدايةُ رحلتي منذُ خروجي إلى هذهِ الدنيا.

خطواتٌ غيرُ ثابتةٍ، أستندُ مرّةً وأسقطُ مرّات، ومِن خلفيَ أيادٍ خفيَّةٌ توجّهُني للمسير، تمهِّدُ الطريقَ، تهوِّنُ الصعاب،

استفقتُ من الذكريات ورحتُ أعدِّلُ من طريقةِ جلوسي وأنظرُ إلى قدميَّ، لوهلةٍ ظننتُ إن الحذاءَ الأيمن يكبُرُ الأيسر،

هل يعقلُ أنَّ البائعَ قد غشَّني؟

ضحكتُ وقلتُ تبَّاً لسخافةِ أفكاري.


من بعيدٍ لمحتُ تلكَ العجوزَ تجرُّ خطواتِها بتثاقُلٍ، وترمقُ الركَّابَ بنظراتٍ غريبةٍ، ثمَّ تبسمتْ في وجهي وجلسَتْ بجواري.

في بدايةِ الأمرِ كِـدتُ أن أَتَـقيَّأ قلبي من ملامِحِها الغريبة، فأستجمعتُ قِوايَ وبادلتُها بابتسامةٍ، كانت تِلكَ الابتسامةُ سبيلاً لشقِّ الطريقِ لنتجاذَبَ أطرافَ الحديث.

-العجوز: تسافرينَ وحدَكِ ياجميلة؟.

-أنا: أجل.

-العجوز: إلى أين؟.

-أنا: للمستقبل.

-العجوز: هل تعتقدين أن الطّريقَ للمستقبلِ بتلك السُّهولة؟.

-أنا: لا أستطيعُ أن أجزِمَ، لـٰكِنْ كلُّ صعبٍ سيهون.

-العجوز: أُنظُري إلى جميعِ الرُّكاب فأنا أعرِفُهم جميعَهم وسأخبرُكِ بأوضاعِهِم علَّني أنسىٰ تَعَبَ المشوار.

-أنا: تفضلي إنْ كانَ هذا يخفِّف عنكِ.

-العجوز: نبدأُ من سائقِ القطارِ، فهو أكثرُ شخصٍ يواجِهُ الكثيرَ من التحدّياتِ والصُّعوبات، لن نتحدَّثَ عنها رُبَّما تحتاجُ رحلتينِ أو ثلاث رحلاتٍ لسردِها، لكنَّني مُتأكّدةٌ أنَّهُ يستطيعُ أن يهوِّنها بحنكَتِهِ.

-أنا: هههههه.

-العجوز: ثمَّ نأتي إلى ذاكَ الطفلِ الذي يبكي فيطلبُ من والدته شراءَ بعضِ الدُّمى التي لاتضرُّ ولا تنفع، فيُلحُّ عليها بالطّلب، فلا يعلمُ أنّ والدتَهُ لاتملكُ ثمناً لألعابهِ المفضلةِ فلا يكِلُّ ولا يملُّ عن الرّجاء وهي لاتكفُّ عن قولِ :

"إن شاءَ اللّٰه".

صَمَتَت العجوزُ لبُرهةٍ واحتدَّت في تصويبِ عينيها ثمَّ قالت: راقبي تلكَ الفتاة كيفَ تسنُدُ رأسَها على حافَّـةِ النافذةِ غارقةً بأحلامِها، يعتصِرُ قلبُها ألماً على حظِّها التعيسِ أو رُبّما على خيباتٍ أهدتها إيَّاها الحياة.

أمَّا عن ذاكَ الشّابِ الذي يُحصي نقودَهُ أكثرَ مِن مَـرَّةٍ وهُـوَ يعلمُ أنّها لاتكفي متطلّباتِهِ بينَ دواءِ أمِّـهِ ورسومِ جامعتِهِ وطعامٍ يقتاتُ بهِ مع أهـلِه. والآنَ أُنظُري إليَّ ما عُدتُ أعرِفُ نفسِي، ألا ترينَ ماخطّتهُ أقلامُ الحياةِ على وجهي وجسدي من معالِمَ أثريّة، وكأنّها تتركُ لي في كلِّ خليّةٍ بصمَةً لتذكِّرني بخيباتِها.

نزَلتْ العجوزُ في الموقفِ الأوّلِ للقطار، غادرتْ بِصمتٍ حرَّكَ بداخلي عواصِفَ هوجاءَ وأمطاراً على الرُّغمِ أنَّ اليومَ هُوَ يومٌ صيفيٌّ حار.

ها أنا الآنَ أنتظرُ وصولي إلى نهايةِ المطافِ وتوقُّف هذا القطار.


بِـقَلَمِ : جُـوري عبد الرّحمٰن القاسِـم

إرسال تعليق

0 تعليقات