تناثرت حبات البرد في كل الأرجاء ، وصدع هدير الرعد مزلزلا أعالي السماء، معلنا عن ليلة ديجور من ليالي الشتاء ، إنها الساعة 12:00 تماما ،لوهلة يبدو الجو مخيفا كئيبا ، ممزوجا بظلام دامس ، وبرد قارس ، وأنا جالسة أسند ظهري لجدار غرفتي ، أعانق وسادتي، تعتليني لفحة أمل مرتسمة على وجهي العابس، سرعان ما هدأ الجو وباشر الغيث بالنزول، ليبث صوته شيئا من السكينة في داخلي ، كنت منذ سنوات ماضية أعشق المطر ، كلما هطل هممت بالخروج والركض هنا وهناك ، حتى تبتل ثيابي وتزول عني أتعابي ، كان مثل الدواء أينما لامستني قطراته شفيت من أي داء ، كنت أحلم في صغري بأحلام وردية أينعت في قلبي بذراتها الفتية ، كانت تنتظر النور لتكبر وتخترق جذورها أعماق التراب ، وتعانق أغصانها بياض السحاب، واحسرتاه على براءتي المعدومة ، وروحي الصغيرة المهزومة ! هاقد استيقظ ذاك الخبيث الذي استوطن الجسد، وأبى الرحيل واختار البقاء للأبد ، كيف سيغادرني وقد وجد أحلاما يتغذى عليها ، غفوت بصعوبة أقاوم نوبات الألم التي تتملكني على حين غرة ، لاتهدأ بالمرة ، كان الليل طويلا لم أشعر إلا و نور الشمس يخترق نافذتي يبشرني بحلول يوم جديد ، استيقظت وقمت من سريري واتجهت إلى الحمام لأغتسل عساني أمسح عن كاهلي بعضا من أعسان صراعاتي الليلية ، نظرت إلى وجهي المصفر المرهق ، وبقلبي شيء تمزق ، وشعري الأسود المنسدل الذي كنت أزينه بإكليل من الورد في فصل الربيع ، وأتباهى بجماله أمام الجميع ، هاهو يتساقط على الأرض أمام ناظري ، لتنهمر العبرات على خدي فمن تراه يجبر خاطري! رغم كل شيء لازالت متمسكة بالأمل ، وأقول قدر الله وماشاء فعل ، لعل القادم أفضل ، اليوم قد وصلتنا رسائل كثيرة كلها عبارات تشجيع ودعوات صادقة مفادها التحلي بالصبر والتمسك بالأمل ، كانت كلماتهم تحل بقلوبنا محل الشفاء ، وفي أرواحنا محل أمل ورجاء ، لن يهدأ سرطاني ، وأنا لن أرضى بالهزيمة ، مادام يسري دم بعروقي يتدفق بعزيمة ، حتما سأودع ذات يوم لحظاتي الأليمة، لم تكن حالتي بذاك السوء فهناك من كان وضعهم أشد ألما وأشد سوءا ، لو نظرت لوجوهم الصغيرة ، الباسمة ..الحالمة تتحدى ألامهم الكبيرة ، مضت أشهر منذ قدومي إلى هنا ، رأيت الكثير ، وعشت الكثير ، ونلت من المواجد مايثير ، لكن لابأس فقد تحسنت وأصبحت حالتي جيدة ...يبدو أن سرطاني قد أيقن بأنه كان مهزوما منذ البداية ، وقد آن أن تسقط رايته ، فقد حل اليوم الموعود ، الذي انتظرت قدومه حتى فاق الصبر الحدود ، حمدا لله وألف شكر لربّ، تعلمت في رحابه الصبر ، فماأعظم الصبر على البلاء ، صبر يليه طهارة وشفاء ، كان لي من حياتي شهور قد مضت ، والآن لي أيام وسنوات في انتظاري ، لأعتلي سفينة أحلامي من جديد وأرفع الشراع ، وأمضي في سبيل تحقيقها وأقول لسرطاني ...الوداع .
عبسي سعيدة
0 تعليقات