الكاتب: عبدالرحمن منصور خطاطبه


سارق الأرجوانية 


لا شك بأن سبباً لكل ما يراودنا، لتلك الحوادث عواقب يمكن أن تتطور إلى عواقب أكبر دون التخلص من العمر. نعم، نطمح إما للراحة وغالباً ما يكون الجنون، وإما الفناء. 

يسود بنا النهار، وكأن شمس الظهر سُهد الليل، تمطر الدنيا والبرد يصفع الشجر والمنازل والبشر من الداخل ومن الخارج، وأبقى أصرخ من وهجي المشتعل من الداخل الذي لم يقدر على إطفائهِ المطر، اشتكي من عدم رؤيتي للورود ونحن بمنتصف الحدائق العطرة ولكن ليس لنا. 

فعلاً، لم تكن لنا تلك المظاهر بعد رؤيتي لتلك الأرجوانية التي نبتت أمام عيني وشغلني الاهتمام بسقايتها، وشعور الامتلاء العاطفي عند النظر إليها، لم أشعر أن هناك أرجوانيةً أخرى ستدهشني بمشابهتها.

  ذهب الأمس بصباحٍ جديد لم أشعر أنه مشرق لدرجة أنني خرجت من منزلي وأنا أظن الساعة الثانية فجراً ولكن تفاجئت بأن حارس العمارة قد غادر المكان فشككت بأنه توفى بسبب مشاكله الصحية، هكذا كانت تقولُ لي عكازته، بأنه لا ينفع للعمل بالحراسة وأنها هي من تتعب طوال الليل بحراسة العمارة وهو يبقى نائماً على كرسيّه المريض أيضاً الذي يعاني من تسوس في خشبة منذ أن دُق في ظهره مسماراً بولاذي، ولكنني كنت مستعطفاً مع ذاك العجوز وأعلم بكل ما أخبرتني فيه عكازته، لكن يريد أن يستر أهل بيته ويطعمهم في ذاك الدخل البسيط فكنت متغاضياً ولم أخبر صاحب العمارة بشيء لم أكن سيء كعكازته لقد بقيت صامتاً، وفي حينها تفاجئت بأن أحد الجيران يركض إلى شقته ويقول: ألا تشعر بهطولِ المطر على راسِك؟ أما أنا ففعلاً لم تلامسني قطرة ماءٍ وحدة فشعرت بأن هناك شيئاً غير طبيعي فتذكرت تلك الأرجوانية وباقي تلك الورود فذهبت ولم أجد شيئاً سوى وردةً وحده يابسة لم يبق في عِرقها إلى بصيلة واحدة خضراء وباقي لونها يابس فجلست بجوارها وطلبت منها أن تخبرني عن تلك الوردة فقط، فأنا أريدها فقط ولا أريد تلك الورود فاخبرتني بان حارس العمارة قد أخذ أرجوانيتك وزرعها على قبر ولده ومات الحارس أيضاً من شدة القهر على ابنه وزرعوا أهل ضيعته باقي الورود على قبر الحارس وماتت هذه الوردة السقيمة.

 ومنذ ستة أعوام وأنا أحوم وأتجول في المقابر لأبحث عن أرجوانيتي ولم أشعر بشيء ولا أستطيع أن أفرق بين قبر الحارس وقبر ابنه لأنني لم أجد ورداً ولا أستطيع إلا أن أعيش باحثاً محتارًا فقط لأن الوردة التي أخبرتني ماتت أيضاً.


إرسال تعليق

0 تعليقات