نص نثري بقلم الكاتبة:صفا محمد السيد

  

                          شآم العراق 

بين ياسمين الشام والعراق قصة حبٍّ كُتبت بأحرفٍ من نورٍ انبثق ليُضيء دياجير العالم . 

مال رأس الشام على كتف العراق .. متعبة كعجوز في الثمانين من عمرها ... أحسّ بثقل غمّها فأحاطها بذراعيه علّها تهدأ ... ناداها بصوت مكلوم : 

ما بالُ جميلتي ? لماذا هي حزينة ? 

أجابت والحزن يعتصر قلبها : أبكي أبنائي يا أبى الرافدين ، ففي كلّ يومٍ أراهم يموتون يموتُ بضعٌ مني .. تزدادُ أعدادهم يوماً بعد يوم ، لا زلتُ أحتضنُهم في جوفي_ خشية أن تنهش أجسادهم وحوش البشر _ وأنا التي حملتهم على ظهري لسنين وما بخلتُ عليهم برغيف الكرامة عندما قلّت أرغفة الخبز ! 

ردّ العراق قائلاً : هوّني عليك يا أمّ الشهداء ، أونسيتي ماذا قال فيك بُنيّ محمد مهدي الجواهري 

" دمشقُ صبراً على البلوى فكم صُهرت... سبائكُ الذهب الغالي فما احترق "

هلّا أعطيتني جبال همومك لأنسفها وبحار دموعك لأُكفكفها .. 

ألقي حمول جراحك على جراحي فلحمل الجراح أهون عليّ من أن أراك ضعيفة . 

_ لا زلت كما عهدتك تُكابر على وجعك وتأبى أن تنحني .. شامخاً كمإذنةٍ .. صلباً كصخرة .. 

لمن الوقاحة ان أزيدك وجعاً على وجعك .. لن أحمّلك ما لا تُطيق .. وما لنا إلا أن نُهوّن على بعضنا يا صاح . 

_ لا زلتي تجهلينني ، صدّقيني لو تطلّب الأمر لألقيتُ إليك بغدادي _ فلذة كبدي _ ولأسقيتُك من رئتا صدري _ دجلة والفرات .

سالت الدموع من مقلتيها فرحاً وحزناً .. اضطربت مشاعرها .. كيف لا تضطرب وقد أُشربت من كأس الحنان حتى ارتوت وشكت من فيض الأحزان حتى غرقت . 

ربّت العراق على كتفي باديتها بأيدي بابله . 

وبكلماتٍ لا زالت عالقة في حنجرتها منذ سنين قالت : 

لك عاصي حماة إذا ما انقطع فراتك .. 

ولك ياسمين دمشق يُضمّدُ جراحك .. 

ولك قلاعي أيادٍ إذا ما بتروا أطرافك .. 

ولك جبال الساحل أوتاداً إذا أرادوا إضعافك ..

ولك من دماء أبنائي شريان لدماء أبنائك ..

إرسال تعليق

0 تعليقات